الرئيسية

المؤسســة

القيم الديني

برامـج وخدمـات وإعانــات

مشاريع الدعم

رواق

اتصل بنا

المكانــــة والمنزلــــــة

boutona al inkhirate

   إن القيم الديني في نظر الإسلام يحظى بمنزلة رفيعة ومكانة عظيمة مستمدة من عظمة المكان الذي يشتغل فيه وهو بيت الله، فكل من يسهر على القيام بعمل داخل هذا البيت إنما هو في حقيقة الأمر يعمل مع الله جل جلاله في بيته، وكفى بذلك رفعة ونبلا وتكريما لا يماثله أو يقرب إليه أي تكريم آخر يمكن أن يحظى به القيم الديني.

   إنه تكريم إلهي فريد متمثل في شرف الانتساب والانتماء إلى بيوت ليست إلا بيوت الله في الأرض، أضافها الله تعالى إلى ذاته العلية إضافة تشريف وإجلال في غير ما آية، قال الله تعالى: {وأن المساجد لله} {ومن أظلم ممن منع مساجد الله} {إنما يعمر مساجد الله} {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه}، وأعظم به من شرف جدير بأن يكون أهله العاملون به محل تقدير وإجلال من لدن الناس أجمعين.

   وطمعا في نيل هذا التكريم الإلهي العظيم، فقد سجل التاريخ الإسلامي تعاقب أخيار الأمة وساداتها، على خدمة بيوت الله بإقامة شعائر الدين وتوطيد أركانه في الوجود، بدءا بسيد الخلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كبار أصحابه رضي الله عنهم ثم من جاء بعدهم من سادة التابعين وخيرة العلماء والسلاطين.
وكلهم كانوا يضعون نصب أعينهم الوصول إلى مقام شرف الانتماء إلى جناب الله العلي الأعلى عبر خدمة بيوته في الأرض، إنها خدمة وأي خدمة، خدمة يتفاعل معها ويتأثر بها أهل الأرض وأهل السماء جميعا على نحو ما عبر عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين قال: "المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض".

   وتأكيدا لهذا المعنى، فقد وردت نصوص كثيرة من الوحيين تشيد بمقام القيمين الدينيين وتعلي من شأنهم بما لا يدع مجالا للشك بأن موقعهم الطبيعي الذي ينبغي أن يكونوا عليه، هو موقع الريادة في قيادة الأمة نحو تحقيق جميع منافعها ومصالحها في العاجل والآجل، وأنه عليهم – كما على المجتمع برمته – أن يكونوا على وعي بقيمة العمل داخل بيت الله، مستحضرين كل الأبعاد الربانية التي من أجلها شيدت المساجد، ومن أجل تحقيقها شرعت الوظائف الدينية التي تقام داخلها.

    إن نصوصا عديدة من الكتاب والسنة تتحدث – تصريحا وتلويحا- عن وظائف القيمين الدينيين وتصفها بأنها وظائف لا حدود لمنافعها، وأن مكانة أصحابها ترتقي إلى درجة لا يسع الناس أمامها إلا التنافس حولها.

   فالذي يتولى وظيفة الأذان هو من أحسن الناس في نظر القرآن الكريم كما يفيده عموم الآية الكريمة: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} قالت عائشة رضي الله عنها: "فالمؤذن إذا قال حيّ على الصلاة فقد دعا إلى الله".

   - ووظيفته هذه لو علم الناس حقيقتها وفضلها لبادروا إلى القيام بها في تنافس وتسابق، وهو مقتضى قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا..." ]رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، قال الإمام النووي رحمه الله: "معناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وعظيم جزائه، ثم لم يجدوا طريقا يحصلونه به...لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد؛ لاقترعوا في تحصيله".

    - كما أن مكانته تزداد رقيا كلما امتد صوته وانتشر في الآفاق، وكلما كثر سامعوه والمتفاعلون معه من كائنات بشرية وغيرها، وهو مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدَّم، والمؤذنُ يغفرُ له مدَّ صوته، ويصدقه من سمعه من رطبٍ ويابسٍ وله مثلُ أجر من صلى معه". [مسند الإمام أحمد وسنن النسائي من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه]

   - وكل من سمع نداءه مرددا الذكر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فإنه – بإذن الله - ممن ستناله شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهو صريح قوله عليه الصلاة والسلام:"من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة". [صحيح البخارِي من حديث جابر رضي الله عنه]
والذي يتولى وظيفة الإمامة، ارتقى به الدين الإسلامي إلى درجة الإنسان القدوة الذي يقتدي به الناس في كل ما يرتبط بمعاني الخير وخصال الفضيلة، وهو ما توحي به تسميته بكونه "إماما" والتي تدل على معاني التأسي والمتابعة لكل ما يصدر عنه من قول أو فعل، ومنه قول الله جل جلاله لسيدنا إبراهيم عليه السلام: {إني جاعلك للناس إماما} أي قدوة يقتدى بها في التوحيد والعبادة والأخلاق وسائر الطاعات، وقوله تعالى مادحا عباده المؤمنين الذين يدعونه بأن يجعلهم هداة وأئمة للمتقين: {واجعلنا للمتقين إماما}.

   - وبناء على هذا الاعتبار، فقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ضامن يضمن صحة صلاة من صلى خلفه من الناس، وحتى يكون مساندا في ذلك وموفقا في أداء مهمته، دعا له الرسول الكريم عليه السلام بالرشاد والسداد حين قال: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" ]الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة رضي الله] دعوة نبوية مباركة تنسحب على كل من تولى هذه الوظيفة في كل الأوقات والأزمان، وفي سائر البقاع والأوطان، وهي في الوقت ذاته تنبه إلى خطورة تحمل مسؤولية الإمامة، خطورة عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بقوله: "الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه ولا عليهم". [سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه]

   - إن وعي الإمام بخطورة مسؤولية الإمامة سيدفعه إلى الاجتهاد في تحسين أدائه باستمرار، ليرتقي به إلى درجة تقع موقع الرضا في قلوب من يصلي خلفه من الناس، وإذا كان من حافز يحفزه على تحقيق هذا المبتغى، فإنه لن يجد خيرا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة على كثبان المِسك يوم القيامة"... وذكر منهم: "ورجل أمّ قوما وهم بِهِ راضون" [الترمذي في جامعه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما]

   - وإذا كان الصالح في الجماعة يشفع لهم ويغفر الله لهم بسبب وجوده بين ظهرانيهم، فإن الإمام الذي ترضى به الجماعة وتأتمنه على أداء شعائرها الدينية أولى بهذا المعنى، وهو ما أفاده النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: "أئمتكم شفعاؤكم".

   -إن ما سبق ذكره – على وجازته- يعطينا لمحة معبرة عن مدى المكانة التي تتبوأها وظيفة الإمامة، وعن التقدير الكبير الذي يحظى به الإمام تبعا لذلك، وهو الأمر الذي حذا بأعلام الإسلام السابقين رضوان الله عليهم إلى اعتبار الإمامة في الصلاة من أهم الوظائف وأشدها تأثيرا في شؤون الأمة وأحوالها، حتى إنه لما التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، اختلف الصحابة فيمن يكون الخليفة من بعده، ثم اتفقوا على أبي بكر رضي الله عنه وقالوا: "ارتضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟" معتبرين إمامته في الصلاة بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم دليلا كافيا لأهليته لأن يتولى كل شؤون الأمة، ولذلك كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى عماله وولاته: "إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع،... ثم كتب لهم أوقاتها"، فاهتمامه رضي الله عنه بأمر الصلاة لدى ولاته وعماله قبل أي أمر آخر، دليل على أهمية الصلاة أولا، ثم أهمية الإمامة فيها ثانيا، وأن المحافظة عليها مؤشر قوي ينبئ عن حسن التدبير الجيد لمصالح الأمة وحقوقها الدينية والدنيوية، باعتبار الوالي أو العامل هو الذي يتولى إمامة الناس في الصلاة في ولايته أو إقليمه الذي هو فيه، إلا أن الاهتمامات المختلفة للولاة وانشغالهم بضبط أمور الأمة المختلفة وتفرع الخطط الدينية والوظائف الشرعية بعضها عن بعض، استنابوا في الصلاة من ينوب عنهم ممن له الأهلية لذلك، وفرغوهم لهذه الوظيفة العظيمة وأجروا لهم رواتبهم تغنيهم عمن سواهم، يقول ابن خلدون رحمه الله: "هي– أي إمامة الصلاة– أرفع الخطط علما...، وشهد لذلك استدلال الصحابة باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه في الصلاة على استخلافه في السياسة في قولهم: "ارتضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا".

   والذي يتولى وظيفة الخطابة، بوأه الإسلام موقعا مقدسا توجه من خلاله الأمة نحو كل ما ينفعها ويصلح أحوالها، ويدرأ عنها كل ما يسوءها ويضيرها، وقد اكتسب قداسته من كون الخطيب يتصدر اجتماعا روحانيا فرضه رب العالمين سبحانه وتعالى، ودعا المؤمنين إلى حضوره على جهة الإلزام، فلم يفرضه قانون أو نظام أو مصلحة دنيوية، حتى إن الله تبارك وتعالى أمر الأمة بإيقاف حركتها الدنيوية للتوجه إلى الخطباء والإنصات لتوجيهاتهم: }يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع{ واكتسب قداسته أيضا من الظرف الزمني الذي تلقى فيه الخطبة، وهو يوم الجمعة الذي جعله الله أفضل أيام الأسبوع وسيدها على الإطلاق، كما هو صريح قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة" [مسلم في صحيحه].

لقد أصبحت خطبة الجمعة في الوقت الراهن تكاد تكون هي القناة الوحيدة، والمصدر الفريد للتلقي المعرفي المباشر المتعلق بالدين لدى كثير من الناس الذين شغلتهم الحياة وأعباؤها عن التعلم والتفقه، فهم لا يحضرون المساجد إلا يوم الجمعة، مما يمكن معه اعتبارها موقعا استثنائيا لتشكيل الرأي العام في المجتمع المسلم، وترسيخ قيم الدين الحنيف في الأفئدة والعقول، وكل ذلك يضع الخطيب في موقع السبق لتذكير الناس بالله تعالى ودعوتهم إليه، ليندرج بذلك في العموم القرآني الخالد: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}، وفي عموم ما جاء على لسان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)[مسلم والنسائي]، وكفى بذلك رفعة ونبلا وتشريفا.

   والذي يسهر على تنظيف المساجد، يحظى هو الآخر بمكانة متميزة لا تقل شأنا عن باقي الوظائف الدينية الأخرى ما دام القصد واحدا، وهو الاستجابة لأمر الله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع}، ومن مقتضيات رفعها، تطهيرها من جميع الأدران والأوساخ وكل ما علم من طبيعته أنه يزكم الأنوف بروائح كريهة تشوش على المصلين والعابدين، وتضعف من تركيزهم وخشوعهم، ولذلك أرشد الله تعالى الناس إلى أن يأخذوا حظهم من التطهر والتزين عند الدخول إلى المسجد: }يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد{، وأخبر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أن كل ما يتأذى منه ابن آدم بسبب رائحته، تتأذى منه ملائكة الرحمن أيضا، الذين يسيحون في الأرض متلمسين حلق الذكر حيث وجدت، ومعظمها يكون داخل بيوت الله، قال صلى الله عليه وسلم: (من أكل الثوم أو البصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) [متفق عليه].

   - لقد سجلت السنة النبوية الشريفة أحداثا كثيرة تبين الهدي النبوي في الحرص على نظافة المساجد، وعلى احترام من يتولى ذلك من الناس، فإنه لما فقد عليه الصلاة والسلام امرأة سوداء كانت تقم المسجد، سأل عنها، فقيل له: "إنها ماتت، فقال: (هلا آذنتموني) فأتى قبرها فصلى عليها. وفعله هذا صلى الله عليه وسلم ينبئ عن تقديره لها وإجلاله للعمل الذي كانت تقوم به من كنس المسجد وتنظيفه، كما يحمل في طياته إنكارا على الصحابة الذين استصغروا أمرها، كما جاء في بعض الروايات الصحيحة )فكأنهم صَغَّرُوا أمرها(، فبين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله واهتمامه هذا أن تقدير العاملين ينبغي أن يكون للجميع مهما كانت صفة عمله، وخاصة إذا كان هذا العمل مرتبطا ببيت من بيوت الله.

   وخلاصة القول، فإن المساجد هي أحب الأماكن إلى الله تعالى، وإلى رسوله وإلى المؤمنين، وهي الملاذ الآمن لكل من لجأ إليها طلبا لراحة النفس واطمئنان القلب، فكل من يقدم نوعا من الإسهام في تعظيمها والإعلاء من شأنها سعيا إلى عمارتها وإقامة ذكر الله فيها ليمتد إلى كافة مرافق الحياة، هو في حقيقة الأمر يزحف بكل ما أوتي من قوة نحو الدخول فيمن قال الله تبارك وتعالى عنهم: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب}.

التاريخ الميلادي والهجري

السبت 05 أكتوبر 2024 الموافق 1 ربيع الثاني 1446

فضـــاء الإحســـان المباشــــر

الوحدات الإدارية الجهوية للمؤسسة

حصيلة المنجزات

النشرة البريدية

النشرة البريدية الخاصة بالمؤسسة

عدد زوار الموقع

اليوم 120

الأمس 373

الأسبوع 2074

الشهر 1653

الكل 1094585

تحقق من أحدث مقالتنا حول Rكود خصم Melbet ومراجعة لمصر